إعصار الحب بقلم الكاتبة المبدعة دانيالا لطش


إعصار الحبّ

تطلقت من زوجها بعد صراع ٍمرير من الألم وحرب الأعصاب.
كرهت الرجال...ولم يعد هناك أيّ رجلٍ قادر ٍعلى لفت قلبها...
وهي الفاتنة..معشوقة الرجال...لم يصمد أي رجلٍ أمام حسنها المزّدان بحسن خلقها وطباعها الأرستقراطية الأنيقة
كانت هي أصلاً..تندهش من سبب وقوع هذا الكمّ الهائل من الرجال بحبها !
حتى أكثر الرجال خجلاً أو ورعاً.....كان يخرج من صومعته لدى إشراقتها
ولا ننسى الرجال ذوي الخبرة بالنساء..والذين ذاقوا منهنّ أشهى ماطاب....كانوا يرمون مافي أيديهم من ثمارٍ شهية ويلهثون خلفها.
لم تعر إيٍ منهم إلتفاتة..لكنها كانت تكتفي بالرضا الداخلي بينها وبين نفسها..غرور المرأة داخلها ..يجاذبها أطراف الحديث
ويقول لها:
أنت شيطانة العشق
أنت غاوية
أنت فاتنة القلوب
دون عناء
دون غنجٍ أو دلال
ودون مبالاة
تدوس على قلوب أروع الرجال تحت قدميها غير مكترثةٍ بمشاعرهم.
وعلى كلّ الأحوال هي ليست سبيلُ ماء لتروي عطشى الحبّ.
هي جوهرة نفيسة..ولن تكون ملك شخصٍ آخر إلا بعد أن تختبر الحبّ الصادق وتلمس جناحيه وترفرف بهما في عالم السعادة.
أعتادت أن تكون أنيقة ورصينة ...تمشي كأنها حورية...تختال برشاقة فراشة ...دون إسراف في التبرج أو التعطر
جمالها الطبيعي يفرض نفسه بمجرد لمسات بسيطة بأدوات الزينة الرخيصة.
طلبت منها صديقتها المقربة أن تسافر معها إلى مدينةٍ أخرى مشهورة بمحلات الأثاث الفخم وأرقى أنواع المفروشات
فصديقتها ستتزوج قريباً.وخطيبها مغترب... وتريد أن تختار أشياءها بعناية.
سيتطلب الأمر مبيت عدة أيام ستكون رحلة ممتعة.
ذهبت الصديقتان في رحلتهما....ولم تكن أريج تعلم ماتخبؤه لها الأقدار!
أمضيتا يومهما الأول في التنزه والإستمتاع بالوجبات المشهورة في تلك المدينة...والبحث عن فندقٍ جميل...وأخيراً نامتا منهكتان من الرحلة الطويلة
في الصباح جلست العروس..توضب زينة وجهها وتسرح شعرها..لتبدو بأجمل حالاتها.
أمّا أريج التي سئمت من نظرات الإعجاب..وزهدت في هذه الحياة.ولم تعد تبالي لشكلها..أخفت شعرها الجميل بقبعة صوفية...ووارت عينيها الساحرتين بنظارتها الطبية...وارتدت سترة ثقيلة..تخفي كلّ مفاتنها...فهي تشعر بالبرد الشديد في هذه المدينة الغريبة.وانتعلت حذاءاً رياضياً مريحاً
نظرت لها صديقتها مستغربة...! هل ستخرجين هكذا...ألن تضعي بعض المساحيق...تبدين عجوزاً بهذه الملابس...فأومأت أريج بيدها ..ولماذا؟..لا أريد أن أحضر معي عريساً من هنا..فأنا لم أغرم بهذه المدينة أبداً
كانت تبدو أريج شاحبة من البرد...ومن الخيبات المختزنة في قلبها...وملابسها وإطلالتها هذه اللحظة..تبدو كأنها متنكرة بسيدةٍ أخرى..أكبر في السن..أقل حسناً وجاذبية...
دخلت الصديقتان عدة صالات للمفروشات لكنهما لم تجدا شيئاً مميزاً. شعرتا بالخيبة بعد أن قطعتا كلّ تلك المسافة الطويلة ...فسألت أريج أحد التجار بالجوار...أين يمكن أن نجد مفروشات فخمة...فجاوبها التاجر: اذهبا إلى قصر الديباج تجدان غايتكما بالتأكيد.
ذهبت الصديقتان إلى العنوان...وفعلا ًوجدا ضالتهما المنشودة...مفروشات كالخيال تسحر الألباب بروعتها وإتقان صنعتها...وفوق كلّ هذا صاحب القصر...الشاب الوسيم الذي اخترق سهم حبه قلب أريج من النظرة الأولى.وضعت يدها على قلبها وهي نادمة أشدّ الندم أنها لم تعتني اليوم بإطلالتها...كان الشاب الوسيم رزيناً ومحترماً اتفق معهما على إرسال المفروشات بالشحن وقدّم لهما القهوة ترحيباً بهما..كان لطيفاً جداً وهادئاً...تبادلا هو وأريج أحاديثاً مختلفة..قالت له أنها تملك في بيتها أثاثاً فخماً يشبه مايعرضه في صالته...وكلّ من يراه يندهش من روعته ....أكيدٌ أنّ من صنعتكم..فابتسم لها.. وحان وقت الإنصراف...ولا يبدو أنّ أريج لفتت نظره ...كما أتضح أنه متزوج ويصغرها بأعوام ٍ كثيرة ...تمنت لو يعود بها الزمن وتعود إليه بأناقتها وإطلالتها الساحرة ..عندها لم تكن لتبذل أدنى جهد لإيقاعه في شباكها...ولكن مالعمل...؟الأوان قد فات..وكما يقول المثل..سبق السيف العزل
ذهبت أريج إلى المقهى مع صديقتها...مكسورة القلب هائمة ٌ على وجهها..قالت لصديقتها مدمعة العينين..أنا أختنق لقد تركت قلبي في قصر المفروشات ملقى على الأرض كوسادةٍ مهملة...
روحي بقيت هناك..لم أعد أرغب في الذهاب عن هذه المدينة أريد أن أبق هنا...ماذا أفعل ...أكاد أجنّ ..لقد سلب عقلي في لحظات....ليتني سمعت كلامك واعتنيت بمظهري...لكان قدّم لي رقم هاتفه وقلبه على طبقٍ من فضّة وطلب مني أن أحادثه
قالت لها صديقتها متعاطفة...لقد قلت لك ولم تسمعي كلامي...حظك النحس..ماباليد حيلة.
قالت أريج مترددة وخجلة ...ألم تأخذي رقم هاتفه؟قالت لها نعم ولماذا؟قالت أريج أعطيني الرقم ...أريد أن أحدثه بطريقة ما..لأفتح معه طريقاً للصداقة.
لم تعرف المسكينة ماأصاب قلبها المتعطش للحبّ فجأة ..عاصفة عشقٍ هوجاء اجتاحت قلبها البريء في سرعة البرق..لم تعد تقوى على التنفس من شدة ضربات قلبها...تريد أن تحدثه لتهدئ من روعها...
بدأت بالخطوة الأولى وضعت صورة جميلة لها على الواتس..ثم بعثت له برسالة ...جاوبها على الفور متسائلاً من هي..وبماذا يقدر أن يساعدها
قالت له:أنا التي كنت عندك منذ قليل أنا وصديقتي..إسمي أريج..فقال لها مرحبّاً أهلاً وسهلاً ...أتمنى أن تكونا قد سررتما بزيارتكما قصرنا ..فقالت له :جداً جداً
وأطردت قائلةً بعد أن فقدت عقلها:هل تحب القصائد؟...فقال لها نعم أحبها..فقالت له أريد أن أهديك قصيدة عربوناً عن شكرنا لك ..فقال لها حسناً حسناً
فأرسلت له قصيدة غزلية مشهورة... تشرح فيها حبها وإعجابها...
قرأ القصيدة...لكنّه لم يردّ
انتظرت الجواب...لكنه آثر الصمت
لقد اعتبرها سيّدةً رخيصة ..لعوب...بائعة هوى...وخصوصاً أنه يعتقد أنها متزوجة..وهي بنظره خائنة
لم يعرف ماذا فعل بقلبها الناصع..لم يعرف تاريخها الحافل بأشلاء القلوب المعذبة في هواها....يبدو أنّ الأقدار حققت دعوة شخص ما بالإنتقام منها وتذوق نفس الكأس المرّ..كأس الصدّ.
هي التي لم يصمد أمامها أقوى الرجال....الآن تنتظر بذلٍ كلمة إحسان من ذلك المعشوق الغريب الذي لم يعرها أدنى انتباه
آه ...لااااا..لقد قام بحظرها....نعم إنه إنسان محترم ومتزوج لن يسمح لإي نسمة أن تعكر صفو حياته الهادئة.
بكت أريج على قلبها المنكسر وعادت إلى مدينتها تجرّ ذيول الندم...لأنها سمحت لقلبها لأول مرةٍ في حياتها أن يهزم كرامتها
بدأت رويداً رويداً بنسيان طيف حبيبها الجميل..وهي تهدئ من روعة قلبها برؤية صورته التي التقطتها من الواتس
فكرت أن تعتذر له عن تصرفها...فكرت أن تعود لتلك المدينة مرة أخرى وهي بأبهى حلّتها وتشرح له الموقف..فكرت وفكرت....لكنها ضمّت يديها لقلبها المتجمد ونامت لتحلم بالحبّ مرةً أخرى....فأنت لا تستطيع أن تفرض الحبّ على أحدهم...إنه ملك يفرض نفسه بنفسه
وكلّ معروض ٍ مهان....وخصوصاً إذا بادرت المرأة بالحب
إياك ياحواء أن تفعلي كما فعلت أريج...كوني دوماً مستعدة للقاء مع الحب فهو يأتي بدون موعد..لا تهملي جمالك.. لاتبوحي بحبك أبداً....كوني لطيفة ودودة افتعلي ظروفاً للقاء...قدّمي الحلويات في علبة ٍ مزينة ٍ بالحبّ ..لكن إياك أن تقولي أحبك....قبل أن يقولها هو وإلا سيهرب منك معتقداً أنه فريسة وسينجح بإنقاذ نفسه من الوقوع في مصيدتك.
فالرجال يحبون أن يكونوا هم فقط من ينصبون
الشباك ويتلذذون بانتظارك تقعين في شراكهم الخفيّة.

#دانيالالطش

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخوض في عناقيد الأدب بقلم المبدعة ندا أبو الهيجا

اعترافات الشاعرة المبدعة ندا أبو الهيجا

لمن في دوحة العلياء أضحى بقلم الشاعر المبدع الدكتور زعل طلب الغزالي